words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

بيان إدراج "فانتهى الناس عن القراءة خلف رسول الله " وأنه لا يصلح أن يكون ناسخًا للقراءة خلف الإمام

"انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟  فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: إني أقول مالي أنازع القرآن. - قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم -".

قوله (فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم) من كلام الإمام الزهري، فإن هذا الحديث له طرق عنه، وجاءت هذه الزيادة مفصولة عنه كما سيأتي بيان ذلك:
الطريق الأول، مالك بن أنس:
أخرجه أبو داود (826)، والبيهقي 2/ 157، والخطيب البغدادي في "الفصل للوصل المدرج في النقل" 1/ 290 عن القعنبي، والترمذي (312) من طريق معن، والنسائي (919)، وفي "الكبرى" (993) أخبرنا قتيبة بن سعيد، وابن حبان (1849) من طريق أحمد بن أبي بكر، والبيهقي في "المعرفة"
 3/ 75 من طريق ابن بكير، والشافعي، كلهم عن مالك (وهو في "الموطأ" 1/ 86) عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة الليثي، عن أبي هريرة قال:
"انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟  فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: إني أقول مالي أنازع القرآن. - قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم -".
 وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن، وابن أكيمة الليثي اسمه عمارة، ويقال: عمرو بن أكيمة".
وقال البيهقي في "السنن الكبرى":
" في صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نظر، وذلك لأن رواية ابن أكيمة الليثي وهو رجل مجهول لم يحدث إلا بهذا الحديث وحده، ولم يحدث عنه غير الزهري، ولم يكن عند الزهري من معرفته أكثر من أن رآه يحدث سعيد بن المسيب وفيما أخبرنا أبو سعيد يحيى بن محمد بن يحيى، أن أبا بحر البربهاري، أخبرهم، حدثنا بشر بن موسى قال: قال الحميدي في حديث ابن أكيمة: هذا حديث رواه رجل مجهول لم يرو عنه غيره قط".
وقال في "معرفة السنن والآثار":
 "واختلفوا في اسمه، فقيل: عمارة، وقيل: عمار، قاله البخاري".

الطريق الثاني، سفيان بن عيينة:
أخرجه الحميدي (983) ، وأحمد 2/ 240، ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال" 21/ 229-230، وابن أبي شيبة 1/ 375 ، وعنه ابن ماجه (848) مقرونا به هشام بن عمار، وأبو داود (827)، ومن طريقه البيهقي 2/ 157، والخطيب البغدادي في "الفصل للوصل المدرج" 1/ 294-295 من طريق مسدد، وأحمد بن محمد المروزي، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف، وعبد الله ابن محمد الزهري، وابن السرح، كلهم عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن أكيمة (وعند أكثرهم ، يُحدِّث سعيد بن المسيب) قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة، نظن أنها الصبح، فقال: هل قرأ منكم من أحد؟ قال رجل: أنا، قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن".
وقال البيهقي:
"قال علي بن المديني: قال سفيان، ثم قال الزهري شيئا لم أحفظه، انتهى حفظي إلى هذا وقال معمر، عن الزهري: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علي: قال لي سفيان يوما: فنظرت في شيء عندي فإذا هو صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بلا شك، وقال مسدد في حديثه قال معمر: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن السرح في حديثه: قال معمر، عن الزهري قال أبو هريرة: فانتهى الناس، وقال عبد الله بن محمد الزهري قال سفيان وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها، فقال معمر: إنه قال: فانتهى الناس، وقال أبو داود: وروى عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، وانتهى حديثه إلى قوله ما لي أنازع القرآن؟
ورواه الأوزاعي، عن الزهري قال فيه: قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون معه فيما يجهر به، قال أبو داود: سمعت محمد بن يحيى بن فارس يقول: قوله: فانتهى الناس من كلام الزهري ... وكذا قاله محمد بن إسماعيل البخاري في "التاريخ" قال: هذا الكلام من قول الزهري أخبرنا إبراهيم بن محمد الفارسي، أنبأ إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، حدثنا محمد بن سليمان بن فارس قال محمد بن إسماعيل، فذكره".
وقال الحافظ في "التلخيص " 1/ 231:
"هو من كلام الزهري، بينه الخطيب، واتفق عليه البخاري في "التاريخ"
 9/ 38، وأبو داود، ويعقوب بن سفيان، والذهلي، والخطابي، وغيرهم".
قلت: قاله البخاري في "القراءة خلف الإمام" (96)، وفي "التاريخ الكبير"
 9/ 38، وكذا ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" وفي "سننه الكبرى"، والخطيب في "الفصل للوصل المدرج في النقل" 1/ 292.
وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 3/ 75:
"وقوله (فانتهى الناس عن القراءة، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما جهر فيه) من قول الزهري، قاله: محمد بن يحيى الذهلي، صاحب الزهريات، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبو داود السجستاني، واستدلوا على ذلك برواية الأوزاعي، حين ميزه من الحديث، وجعله من قول الزهري، فكيف يصح ذلك عن أبي هريرة، وأبو هريرة يأمر بالقراءة خلف الإمام، فيما جهر به وفيما خافت".
وقال في "القراءة خلف الإمام" (ص141):
"رواية ابن عيينة عن معمر دالة على كونه من قول الزهري، وكذلك انتهاء الليث بن سعد وهو من الحفاظ الأثبات الفقهاء مع ابن جريج برواية الحديث عن الزهري إلى قوله: "مالي أنازع القرآن" دليل على أن ما بعده ليس في الحديث وأنه من قول الزهري، وقد رواه الأوزاعي عن الزهري ففصل كلام الزهري من الحديث بفصل ظاهر...".
وكذا قال ابن حزم في "المحلى" 2/ 269 في قوله "فانتهى الناس.. الخ " قال: "من قول الزهري".
وقال عبد الحي اللكنوي في "إمام الكلام":
" ليس في خبر أبي هريرة ما يفيد ترك فاتحة الكتاب أيضا نصا مرفوعا بل هو موقوف على أبي هريرة أو على من بعده، وترك الفاتحة ليس إلا مما يدل عليه ظاهره وإطلاقه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة في صلاة الصبح "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب" الخ مرفوع نص، قد سيق لإجازة قراءة الفاتحة خلف الامام في الجهرية فيجب تقديمه والعمل به لكون المرفوع أقوى من غير المرفوع، والنص اقوى من الظاهر الذي هو دون النص كما هو مفصل في كتب الاصول، فكيف يمكن دعوى نسخ الأقوى بالأدنى من غير حجة مثبتة؟! وإن خبر أبي هريرة لو كان ناسخا لحديث عبادة لكان أبو هريرة أعلم به ولم يفتِ بخلافه مع انه أفتى بقوله اقرأ بها في نفسك".

الطريق الثالث، معمر بن راشد:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2795) عن معمر، عن الزهري قال: سمعت ابن أكيمة يحدث، عن أبي هريرة:
" أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم صلى صلاة جهر فيها بالقراءة، ثم أقبل على الناس بعدما سلم، فقال لهم: هل قرأ منكم معي أحد آنفا؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: إني أقول مالي أنازع القرآن - فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر به من القراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وأخرجه ابن ماجه (849) حدثنا جميل بن الحسن، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر، عن الزهري، عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وزاد فيه: قال: "فسكتوا بعد فيما جهر فيه الإمام".
وهذا إسناد ضعيف لأجل جميل بن الحسن: قال عبدان فاسق يكذب أي: في كلامه كما في "الكاشف".
وقال عبد الرحمن بن أبى حاتم:
أدركناه ولم نكتب عنه شيئا.
وقال ابن عدي: بعد أن ذكر قول عبدان بأنه يكذب:
أما في الرواية فإنه صالح.
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يغرب.
وقال الحافظ مغلطاي في "الإكمال" 3/ 239:
"وفي "التاريخ الأوسط" للبخاري: حديثه ليس بشيء. ووثقه مسلمة".
وقال الحافظ في "التقريب":
"صدوق يخطئ، أفرط فيه عبدان".

الطريق الرابع، الليث بن سعد:
أخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (69)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (318)، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك، وابن حبان (1843) من طريق يزيد بن هارون، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (319) من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، ثلاثتهم عن الليث، عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة، أنه قال:
"صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة جهر فيها فلما قضى صلاته قال: من قرأ معي؟ قال رجل: أنا قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن؟
وأخرجه الخطيب في "الفصل" 1/ 291 من طريق يحيى بن يحيى بن بكر، عن الليث بن سعد به، وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أقول مالي أنازع القرآن. قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك منه".
وقال الخطيب:
"روى يحيى بن عبد الله بن بكير المصري، عن الليث بن سعد هذا الحديث فأورد منه المسند فقط، وهو إلى قوله: "مالي أنازع القرآن "، ولم يزد على ذلك".

الطريق الخامس، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2796)، وأحمد 2/ 285، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (320) من طريق ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب قال: سمعت ابن أكيمة، يقول: قال أبو هريرة: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة يجهر فيها ثم سلم، فأقبل على الناس فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: إني أقول مالي أنازع القرآن".

الطريق السادس، الأوزاعي:
أخرجه ابن حبان (1850) أخبرنا محمد بن الحسين بن يونس بن أبي معشر شيخ بكفر توثا، من ديار ربيعة، قال: حدثنا إسحاق بن زريق الرسعني، قال: حدثنا الفريابي، عن الأوزاعي، قال: حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال:
 "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة، فجهر فيها، فقرأ أناس معه، فلما سلم، قال: "قرأ منكم أحد"؟ قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: إني لأقول ما لي أنازع القرآن"؟ قال: فاتعظ المسلمون بذلك، فلم يكونوا يقرؤون.
ثم أخرجه ابن حبان (1851) أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: حدثنا الوليد، قال: حدثنا الأوزاعي، عن الزهري عمن سمع أبا هريرة يقول:
"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فلما سلم، قال: هل قرأ معي منكم أحد آنفا"؟ قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن".
قال الزهري: فانتهى المسلمون، فلم يكونوا يقرؤون معه.
وقال ابن حبان:
 "هذا خبر مشهور للزهري، من رواية أصحابه، عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة، ووهم فيه الأوزاعي - إذ الجواد يعثر- فقال: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، فعلم الوليد بن مسلم أنه وهم، فقال: عمن سمع أبا هريرة، ولم يذكر سعيدا.
وأما قول الزهري: فانتهى الناس عن القراءة، أراد به رفع الصوت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعا منهم لزجره صلى الله عليه وسلم، عن رفع الصوت والإمام يجهر بالقراءة في قوله: "ما لي أنازع القرآن".
وقال الخطيب في "الفصل للوصل المدرج في النقل" 1/ 297:
"وإنما دخل الوهم فيه على الأوزاعي لأنه سمع الزهري يقول: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب، فسبق إلى حفظه ذكر سعيد بن المسيب واستقرت روايته على ذلك".
وأخرجه البيهقي 2/ 158 من طريق العباس بن الوليد بن مزيد، أنبأ أبي، حدثني الأوزاعي، حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، أنه سمع أبا هريرة يقول:
 "قرأ ناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم، فقال: هل قرأ معي منكم أحد؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أقول مالي أنازع القرآن؟".
 قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون.
وقال البيهقي:
"حفظ الأوزاعي كون هذا الكلام من قول الزهري ففصله عن الحديث إلا أنه لم يحفظ إسناده، الصواب ما رواه ابن عيينة، عن الزهري قال: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب، وكذلك قاله يونس بن يزيد الأيلي ...".
قلت: وكذلك إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري، ويحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي على ضعفه، وكذا عبد الحميد بن أبي العشرين:
أما طريق الفزاري:
فأخرجه الخطيب في "الفصل للوصل المدرج" 1/ 300 من طريق محمد بن عبيد الله بن الشخير الصيرفي، حدثنا محمد بن موسى السوانيطي، حدثنا علي ابن بكار، حدثنا الفزاري، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال:
 "قرأ ناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة جهر فيها بالقراءة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم، فقال: هل قرأ منكم أحد آنفا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأقول مالي أنازع القرآن".
 قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون.
 وأما طريق البابلتي:
فقال الخطيب في "الفصل للوصل المدرج" 1/ 299-300 أخبرنيه عبد العزيز ابن علي الوراق محمد بن أحمد بن المفيد - بجرجان - حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب، أنه سمع أبا هريرة، يقول:
"قرأ الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة جهر فيها بالقراءة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته وسلم أقبل عليهم، فقال: هل قرأ أحد معي آنفا؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، قال لهم رسول الله: إني لأقول مالي أنازع القرآن".
 قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون ".
وأما طريق عبد الحميد بن أبي العشرين:
فأخرجه الخطيب أيضا في "الفصل للوصل المدرج" 1/ 300-301 من طريق هشام بن عمار، حدثنا عبد الحميد بن أبي العشرين، حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: حدثني أبو هريرة، قال:
"قرأ ناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة جهر فيها بالقراءة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاته وسلم أقبل عليهم فقال: هل قرأ معي منكم أحد آنفا، قالوا: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أقول مالي أنازع القرآن".
 قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون إلا بأم القرآن.
وأخرجه الخطيب البغدادي في " الفصل للوصل المدرج" 1/ 298 من طريق الطبراني، حدثنا الحسن بن عليل العنزي، ومحمد بن يحيى الأصبهاني، قالا: حدثنا أبو كريب، حدثنا العلاء بن عصيم، حدثنا المفضل بن يونس، حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الزهري، قال حدثني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة جهر فيها، فقال: تقرؤون خلفي؟ قلنا نعم، قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن، قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم".
قال سليمان - يعني الطبراني -: "المفضل بن يونس من عباد الكوفة، ولم يرو هذا الحديث عنه إلا العلاء بن عصيم".
وقال الخطيب: "أدرج المفضل عن الأوزاعي كلام الزهري، وأما الباقون من أصحاب الأوزاعي فإنهم بينوه".
قلت: مفضل بن يونس: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات" 9/ 184 وقال: "ربما أخطأ".

الطريق السابع، يونس بن يزيد بن أبى النجاد:
أخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (68) حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا الليث، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب، سمعت ابن أكيمة الليثي، يحدث سعيد بن المسيب، يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول:
"صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة جهر فيها بالقراءة، ولا أعلم إلا أنه قال: صلاة الفجر، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس، فقال: هل قرأ معي أحد منكم؟ قلنا: نعم، قال: ألا إني أقول ما لي أنازع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه الإمام وقرؤوا في أنفسهم سرا فيما لا يجهر فيه الإمام".

الطريق الثامن، عبد الرحمن بن إسحاق:
أخرجه أحمد 2/ 487 حدثنا إسماعيل، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن ابن أكيمة الجندعي، عن أبي هريرة، قال:
"صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فجهر فيها بالقراءة، فلما فرغ قال: هل قرأ أحد منكم معي آنفا؟ قال رجل: من القوم أنا، قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن".
وإسناده حسن، عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث: صدوق رمي بالقدر، وإسماعيل هو ابن علية: ثقة حافظ.
وجاء من حديث عبد الله بن بحينة:
أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" 2/ 158 من طريق عبد الله بن سعد، حدثنا عمي، حدثنا ابن أخي الزهري، عن عمه قال: أخبرني عبد الرحمن بن هرمز، عن عبد الله ابن بحينة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هل قرأ أحد منكم آنفا في الصلاة؟  قالوا: نعم قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن؟ فانتهى الناس عن القراءة حين قال ذلك".
وقال البيهقي:
"قال يعقوب بن سفيان: هذا خطأ لا شك فيه ولا ارتياب.
 ورواه مالك، ومعمر، وابن عيينة، والليث بن سعد، ويونس بن يزيد، والزبيدي كلهم، عن الزهري، عن ابن أكيمة عن أبي هريرة".
والخطأ من ابن أخي الزهري واسمه محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري، قال فيه ابن حبان: كان رديء الحفظ كثير الوهم يخطئ عن عمه في الروايات ويخالف فيما يروي عن الأثبات، فلا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
الخلاصة: هذا الحديث لا يصلح أن يكون ناسخًا لحديث عبادة، وذلك لأمور:
الأول: أن في إسناده ابن أكيمة وهو مجهول العين إذ لم يرو عنه غير الزهري، قال الحافظ في "التهذيب" 7 / 411:
 "ذكره مسلم وغير واحد في "الوحدان"، وقالوا: لم يرو عنه غير الزهري".
وقد اختُلف في اسمه على أربعة أقوال:
قيل: عمارة.
وقيل: عمار.
وقيل: عامر.
وقيل: عمرو.
قال أبو حاتم: صحيح الحديث، حديثه مقبول!
وقال الدوري، عن يحيى بن سعيد: عمارة بن أكيمة ثقة.
وقال يعقوب بن سفيان: هو من مشاهير التابعين بالمدينة.
وقال أبو بكر البزار: ابن أكيمة ليس مشهورا بالنقل، ولم يحدث عنه إلا الزهري.
وقال الحميدي: هو رجل مجهول.
وكذا قال البيهقي.
وقال ابن سعد: روى عنه الزهري حديثا، ومنهم من لا يحتج بحديثه يقول: هو شيخ مجهول.
وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات".

الثاني: على فرض قبول توثيق من وثّقه وإن كان مجهول العين لشهرته، وأن جهالة مَنْ كان من أهل العصر الأول وخصوصا طبقة ما بعد الصحابة تعطيه قوّة في قبول حديثه نقول إن الجزء الذي استُدلّ به من هذا الحديث مدرج من كلام الزهري فلا حجة فيه، ولا يصلح أن يكون ناسخا، لأنه مرسل، والمرسل ضعيف وخصوصًا مراسيل الزهري فقد نصّ أئمة هذا الشأن بضعفها.
قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 1/ 84:
"قال أبو قدامة السرخسي، قال يحيى بن سعيد: مرسل الزهري شر من مرسل غيره لأنه حافظ وكلما قدر أن يسمى سمى وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه".
وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص3):
"حدثنا أحمد بن سنان، قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا، ويقول هو بمنزلة الريح. ويقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه".
وقال السيوطي في "تدريب الراوي" 1/ 232:
"مراسيل الزهري: قال ابن معين، ويحيى بن سعيد القطان: ليس بشيء، وكذا قال الشافعي: قال: لأنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم.
وروى البيهقي، عن يحيى بن سعيد، قال: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يحب أن يسميه".
قال ابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 6:
"وحجتهم في رد المراسيل ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المخبر وأنه لا بد من علم ذلك، فإذا حكى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة إذ قد صح أن التابعين أو كثيرا منهم رووا عن الضعيف وغير الضعيف، فهذه النكتة عندهم في رد المرسل، لأن مرسله يمكن أن يكون سمعه ممن يجوز قبول نقله وممن لا يجوز، ولا بد من معرفة عدالة الناقل فبطل لذلك الخبر المرسل للجهل بالواسطة، قالوا: ولو جاز قبول المراسيل لجاز قبول خبر مالك والشافعي والأوزاعي، ومثلهم إذا ذكروا خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو جاز ذلك فيهم لجاز فيمن بعدهم إلى عصرنا، وبطل المعنى الذي عليه مدار الخبر، ومن حجتهم أيضا في ذلك أن الشهادة على الشهادة قد أجمع المسلمون أنه لا يجوز فيها إلا الاتصال والمشاهدة، فكذلك الخبر يحتاج من الاتصال والمشاهدة إلى مثل ما تحتاج إليه الشهادة، إذ هو باب في إيجاب الحكم واحد هذا كله قول الشافعي وأصحابه وأهل الحديث ...".

الثالث: يمكن تأويل قوله "فانتهى الناس ..." بمعنى تركوا القراءة فيما سوى الفاتحة، أو تركوا الجهر بالقراءة.
الرابع: حديث عبادة بن الصامت نص لا يحتمل التأويل، وأما حديث أبي هريرة فهو محتمل أن الناس تركوا القراءة فيما سوى الفاتحة، أو تركوا الجهر بالقرآن.
الخامس: ليس هذا مذهب راوي الحديث فإن أبا هريرة t كان يأمر بقراءة الفاتحة فيما جهر فيه الإمام من الصلوات، فكيف يصحّ أن يكون "فانتهى الناس عن القراءة.. الخ من قوله!
قال البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (ص:142):
"ولا يترك الثابت عن أبي هريرة في الأمر بقراءة فاتحة الكتاب وراء الإمام لرواية رجل مجهول، مع احتمال روايته أن يكون المراد بها ما بعد الفاتحة من القرآن دون الفاتحة التي أمر أبو هريرة بقراءتها وراء الإمام وإن كان يجهر الإمام بالقراءة".
السادس: قد قال بالقراءة خلف الإمام فيما جهر فيه: عمرُ بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمرو، وأبو هريرة، وهشام ابن عامر رضي الله عنهم، فهل كان هذا الجمع من الصحابة ممن انتهوا عن القراءة خلف النبي صلى الله عليه وسلم على فهم مَنْ يقول بعدم جواز قراءة الفاتحة للمأموم فيما جهر فيه الإمام مستدلّاً بقول الزهري؟! أم أنهم كانوا يأمرون بالقراءة وقد شهدوا قصة الصلاة التي نوزع النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالقرآن، وعلموا ما هو المقصود من المنازعة؟!
وأن المنازعة تحصل إذا جهر المأمومون بالقراءة فبسماعه لقراءتهم يحصل له التشويش، وأما قراءتهم لفاتحة الكتاب سرًا فلا شيء يحصل من ذلك مطلقا، ولهذا كان يأمر بقراءة فاتحة الكتاب عمرُ بن الخطاب، فعن يزيد بن شريك، أنه سأله عن القراءة خلف الإمام فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنت أنت؟، قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت؟، قال: وإن جهرت".
 وهو صحيح وقد خرّجته في الفصل الثالث.
وكذا أبو هريرة رضي الله عنه كان يأمر بقراءتها فعن أبي السائب قال: قلت لأبي هريرة: إني أكون وراء الإمام فغمز ذراعي، فقال: يا فارسي، اقرأ بها في نفسك. يعني بأم القرآن".
قال الخطابي في "معالم السنن" 1/ 206:
 "قوله صلى الله عليه وسلم: ما لي أنازع القرآن معناه اداخَل في القرآن وأغالب عليها".
وقال الشيخ عبيد الله المباركفوري في "مرعاة المفاتيح" 3/ 166:
 "قال القرطبي:
"والمعنى في حديث (أي حديث أبي هريرة هذا) لا تجهروا إذا جهرت، فإن ذلك تجاذب وتخالج، اقرؤوا في أنفسكم، بينه حديث عبادة، وأفتى الفاروق برأي أبي هريرة الراوي الحديثين، فلو فهم المعنى جملة من قوله لما أفتى بخلافه".
وقال ابن عبد البر في "التمهيد":
"لا تكون المنازعة إلا فيما جهر فيه المأموم وراء الإمام، ويدل على ذلك قول أبي هريرة: اقرأ بها في نفسك يا فارسي".
وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في "غيث الغمام" (ص30):
"غاية ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مالي أنازع القرآن". فهو إن دل على النهي، فإنما يدل على نهي القراءة المفضية إلى المنازعة في الجهرية".
وقال الشوكاني في "النيل":
"استدل به القائلون بأنه لا يقرأ المؤتم خلف الإمام في الجهرية، وهو خارج عن محل النزاع لأن محل النزاع هو القراءة خلف الإمام سرا، والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع إسراره".
وجاء في "مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار" 4/ 684: "والمنازعة: المجاذبة في الأعيان والمعاني، ومنه حديث: "أنا فرطكم على الحوض ولألفين ما نوزعت في أحدكم، فأقول: هذا مني" أي: يجذب ويؤخذ مني. ومنه: "مالي أنازع القرآن" أي: أجاذب في قراءته، كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه. "ينازعني القرآن" أي: لا يتأتى لي وكأني أجاذبه فيعصي ويثقل علي لكثرة أصوات المأمومين".
السابع: لا يُصار إلى النسخ إلا عند تعذّر الجمع، والجمع ههنا ممكن، فنقول انتهى الناس عن القراءة فيما سوى الفاتحة، أو انتهى الناس عن الجهر بالقرآن وقد تقدّم الكلام حول هذا بشيء من التفصيل في الفصل الثالث.
قال ابن حزم في "الإحكام" 2/ 151:
"إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية والحديث، فيما يَظنُّ من لا يَعْلَم، ففرضٌ على كلِّ مسلمٍ استعمال كلِّ ذلك، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها، وكلٌّ من عند الله عز وجل، وكلٌّ سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق".
وقال في "المحلى" 2/ 269:
"وهذا حديث انفرد به ابن أكيمة وقالوا: هو مجهول، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة، لأن الأخبار واجب أن يضم بعضها إلى بعض، وحرام أن يضرب بعضها ببعض لأن كل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كله حق يصدق بعضه بعضا، ولا يخالف بعضه بعضا فالواجب أن يؤخذ كلامه عليه السلام كله بظاهره كما هو، كما قاله عليه السلام، لا يزاد فيه شيء، ولا ينقص منه شيء، فلا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ولا ينازع القرآن ...".
وقال ابن رجب في " فتح الباري" 5/ 84:
"وإذا أمكن الجمع بينها والعمل بها كلها وجب ذلك، ولم يجز دعوى النسخ معهُ، وهذه قاعدة مطردة".
وقال الحافظ في "الفتح " 9/ 474:
 "الجمع أولى من الترجيح، باتفاق أهل الأصول".
الثامن: قال العلّامة أبو العلا المباركفوري في "تحقيق الكلام" (ص371-372): "الذين يدّعون نسخ قراءة الفاتحة خلف الإمام بحديث أبي هريرة عليهم أن يبيّنوا هل القراءة نُسخت قبل قوله صلى الله عليه وسلم "ما لي أنازع القرآن" أم بعده؟! فإن لم تكن نُسخت قبل قوله هذا، بل نُسخت به فعلى هذا التقرير لا يصح سؤاله بلفظ "هل قرأ أحد منكم أنفا؟" قبل قوله "ما لي أنازع القرآن" فإن هل يسأل بها إذا لم يكن الفعل المذكور بعدها معلوما متحققا لدي السائل.
وأما ههنا فكانت قراءة الناس خلفه صلى الله عليه وسلم معلومة متحققة لديه، لأنها لم تكن نُسخت إلى ذاك الوقت ... وإن كانت القراءة نسخت قبل قوله صلى الله عليه وسلم "ما لي أنازع" وكان الناس انتهوا عن القراءة فلا يستقيم معنى قوله "فانتهى الناس عن القراءة" لأن الفاء في قوله "فانتهى الناس" دليل صارخ على أن الناس انتهوا من القراءة خلفه صلى الله عليه وسلم بعد قوله "ما لي أنازع القرآن" وكانوا قبل يقرأون، فالذين يدّعون النسخ عليهم أن يدفعوا هذا الإشكال أولًا ثم يدّعوا النسخ".
قال الحازمي في "الاعتبار":
 "قرأت على أبي موسى الحافظ، أخبرك الحسن بن أحمد القارئ، أخبرنا إبراهيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا بشر بن موسى، قال: قال الحميدي: قال لنا قائل ممن يرى ألا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر به: أن الزهري حدث عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما لي أنازع القرآن؟ فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به النبي صلى الله عليه وسلم.
قلنا: هذا حديث رواه مجهول، لم يروه عنه قط غيره، ولو كان هذا ثابتا أريد به النهي عن قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام دون غيرها، لكان في حديث العلاء عن أبيه ما يبين أنه ناسخ لهذا.
وحديث العلاء أخبرنا به أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد، من أصله العتيق في آخرين، قالوا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عبد القادر، أخبرنا أبو عمر، وعثمان بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن: أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة يقول:
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج، غير تمام قال: فقلت: يا أبا هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام، قال: فغمز ذراعي وقال: اقرأ بها يا فارسي في نفسك، وذكر الحديث...
ثم قال الحازمي: قال الحميدي: لأنا وجدناهما عن أبي هريرة، ولم يتبين لنا أيهما بعد الآخر، حتى أبان ذلك العلاء في حديثه حين قال: قال لي أبو هريرة: يا فارسي اقرأها بها في نفسك، فعلمنا إنما أمر بذلك أبو هريرة أبا العلاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحتمل أن يكون حديث ابن أكيمة الناسخ، ثم يأمر أبو هريرة أن يعمل بالمنسوخ، وهو رواهما معا، وفي قول عبادة بن الصامت: أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وهو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قول أبي هريرة هذا ما دل على أنه إنما عنى النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الجهر وغيره، لأن من روى (الحديثين) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم بمعناهما، وما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من غيره مع استعمالهما ذلك بعده، ومع أن حديث ابن أكيمة الذي ليس بثابت هو المنسوخ، وإنما قال فيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لي أنازع القرآن فاحتمل أن يكون (عنى) النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ قرآنا خلفه سوى فاتحة الكتاب، لأنا وجدنا عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل قرأ خلفه بـ ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾: هل قرأ أحد منكم بـ ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ فقال رجل: نعم، أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، قد علمت أن بعضكم خالجنيها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنازع" مثل "أخالج"، فلا يحتمل أن يكون عنى في حديث ابن أكيمة أن يقول: ما لي أنازع القرآن يعني فاتحة الكتاب، وهو يقول: لا صلاة إلا بها". هذا آخر كلام الحميدي.

٭ ٭ ٭


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام